الذي يسكن لبنان من غير اللبنانيين مطلوب منه كل ثلاثة اشهر ان يقدم كشفا بحسابه في البنك والذي يؤكد انه يعمل بهذا الرأس المال الكبير، اما اذا لم يكن كذلك فلابد ان يغادر البلد ولو ليوم واحد ثم يعود لتعطى اليه اقامة جديدة.. وهكذا.. في كل مرة كنت اؤثر ان اسافر الى مصر.. فهي كما يقولون (تجارة وتسيارة!) وتجارتي هنالك هي المسرح وحده.. ولا ربح فيه الا ما اشاهد من مسرحيات ذات قيمة فنية او فكرية.. ومن الاصدقاء الذين تربطني بهم علاقة حميمة.
حين سافرت الى القاهرة عام 1959 كانت الفرقة القومية بإدارة (احمد حمروش) وكان المسرح يعيش خضة، ايجابية بعد الاعتداء الثلاثي الذي حصل على مصر، والذي دعاهم
أي المسرح والمسرحيين- الى اعادة النظر فيما يقدمون للناس وصيغ التقديم.. حتى بات الحماس في ذلك انذاك المسرح على اشده، كان كل الذين نراهم اليوم شيوخا.. شبابا بعمر الورد.. ومن لم يشخ فهو الان في طريقه اليها.. كنت انذاك ابحث عن كل شيء في ذاك المسرح.. فمن مشاهدتي لمسرحية (الشيخ متلوف) وهي (طرطرف) لموليير الى مسرحيات اخرى مثل (الناس اللي تحت) لنعمان عاشور وكنت اكتشف اساليب العمل وطرق الانتاج متلهفا لكي أرى واسمع.
بعد ست سنوات عدت لمصر.. وكان الاصدقاء كثراً في مقدمتهم محمود امين العالم واحمد حمروش.. وعبدالعظيم انيس ونعمان عاشور، وقضيت اياما ممتعة وسعيدة هنالك من المسرح القومي إلى مسرح الجيب وأسجل وأكتب انطباعاتي وحين كنا نلتقي ونتحدث.. وجد احمد حمروش –وكان يشغل رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف- ان المجال متوفر لان اسجل ما اقول لمجلة روز اليوسف، ان اكتب آراء وجيزة عن المسرحيات التي اشاهدها.. وان استمر بذلك حتى حين اعود الى بيروت.. وهكذا مسكني مرة اخرى ليضعني في موقع الصحافة.. بل طلب مني مزيدا من الأسهام ان تتولى مؤسسة روز اليوسف طبع كتابي (هوليود بلا رتوش) وان تتولى دار الكتاب العربي للطباعة والنشر –طبع ونشر كتابي- بين المسرح والسينما، ووافقت طبعا وظهر الكتاب الثاني عام 1967 وتأخر الاول لاستعيده واطبعه في بغداد.
ظلت علاقتي بالمسرح المصري واقطابه وثيقة وصميمة وكانت مصادفة غريبة في كل مرة ان اجد عملا مسرحيا في مرحلة الانجاز للعرض لاكون حاضرا اتابع مجريات التدريب مثلا (ليلة مقتل جيفارا) اخراج الراحل (كرم مطاوع) مسرحية (شهرزاد) بطولة سناء جميل واخراج كرم مطاوع ايضا (زيارة السيدة العجوز) لسمير عصفوري –قبل ان يسافر لاكمال دراسته، والتقي بيوسف ادريس ومحمود مرسي وسميحة ايوب.. واشاهد اكثر من مسرحية –لسعد الدين وهبه، عبدالرحيم الزرقاني، سعد اردش، حمدي غيث نبيل الالفي وجلال الشرقاوي وعايدة عبدالعزيز ومحسنة توفيق.. وكبار نقاد المسرح.. واعود الى بيروت وقد حملت عطر تلك المشاهدات واللقاءات واسجل ذلك في لسان الحال وحين اعود مع نفسي اتساءل.. هل هذا يكفي..؟ وانذاك قررت ان اقدم من خلال (جمعية المقاصد) مسرحية (المفتش العام) التي لم اوفق الى اكمال اخراجها –كما اشرت في حديث سابق- ثم انجح في تقديم (علية ابو المجد) دون ان يذكر اسمي.. وكأنني اعمل في السر..
واخيرا ومع نفسي –ومع القريبين مني قررت ان اخطط واعمل من اجل ان اعود الى العراق.. وهنالك.. ومع المسرحيين الذين احبهم والذين عملت معهم سنين طويلة هناك هو مسرحي الحقيقي ومكاني الاصيل ومنطقي الاول والاخير، وكنت احمل معي مسرحية قد اكملت كتابتها وكانت عندي نواة صغيرة لكنها اكتملت ونضجت.. هي (صورة جديدة) ومعها، وفي داخلي تصور جديد وتجربة غنية ستجد مكانها في بغداد.. وكان هذا هو القرار الاخير بداية 1968 .
عدد زواراليوم 224816 visitors (445340 hits) مرحبا بكم
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي موقع عصافير، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها جميع الحقوق محفوظة لموقع عصافير